Khaled Khalifa

Auteurs étrangers à Bruxelles
25/04/2016 - 23/05/2016
Khaled Khalifa

Khaled Khalifa (Alep, 1964) est un auteur contemporain majeur en Syrie. Après des études de droit à Alep, il se consacre à l'écriture de scénarios pour la télévision et pour le cinéma, ainsi qu'à la poésie et à la prose.

Khalifa débute en 1993 avec Haris al-Khadi'a. En 2006, il connaît un succès international grâce à Madih al-karahiya (Éloge de la haine, trad. par Rania Samara, 2011). L'auteur y décrit les déchirements de la Syrie des années 1980 à travers les yeux d'une jeune femme. Ce roman, sélectionné pour le Arabic Booker Prize, est presque immédiatement censuré dans son pays d'origine.

La sakakin fi matabikh hadhihi al-madina (Pas de couteaux dans les cuisines de cette ville, 2015, trad. par Rania Samara) est le dernier livre de Khalifa. Il raconte l'histoire d'une famille brisée dans la Syrie du régime Assad, des années 1960 jusqu'à 2005.

L'écrivain a été récompensé à plusieurs reprises pour son travail. Il a, par exemple, reçu le prix Naguib Mahfouz, récompensant le meilleur roman contemporain en langue arabe. Il a également été sélectionné pour le International Prize for Arabic Fiction. Ses romans ont été traduits en anglais, en italien, en néerlandais et en français (Actes Sud).

Khaled Khalifa a effectué une résidence à Passa Porta en 2013. Durant ce séjour, il avait travaillé à l'écriture de son dernier roman. Il sera à nouveau en résidence à Bruxelles, en 2016, dans le cadre d'un partenariat avec le Kunstenfestivaldesarts.

Texte d'Auteur

سجل الكتابة المؤلم

لم تتغير وظائف الكتابة منذ الأزل، لكننا نحن الذين تغيرنا كثيراً، مازالت الكتابة تريد الحفر في الذات الإنسانية، والإقتراب من أكثر الأماكن ظلمة في النفس البشرية، تريد الإقتراب من كهوف الخوف، ليس لإضاءتها فقط بل لإعادة تركيبها من جديد وقول مالايستطيع الكائن البشري الإفصاح عنه، هذا في الأيام العادية التي يشكل تأملها مادة خصبة للكتابة، لكن بالتأكيد في الحرب والثورات يختلف كل شيء، تختلف الأسئلة، فالعيش قريباً من الموت يمنح الأشياء معاني جديدة لم تكن في الحسبان من قبل، لنتخيل رجلاً لديه عادات ثابتة، ينهض صباحاً ويذهب إلى المقهى، يشرب قهوته ثم يذهب إلى عمله، في الأيام العادية تشكل هذه الأفعال البسيطة جزءاً من سعادة هذا الرجل، رغم أنه يشيخ في المكان نفسه إلا أنه يشعر بأن كل شيء على مايرام، والرجل نفسه في الحرب سيكون كائناً آخر، لن يصدق أحد بأن مجرد رحيله عن المكان بسبب الحرب سيجعل منه كائناً مختلفاً، بينما آخرون فقدوا حياتهم، حين تتمعن الكتابة بدقة في فقدان هذا الرجل لسعادته تضعنا أمام ذاتنا مرة آخرى، وتخبرنا بأن الحرب ليست دمار مدن وقتل بشر فقط بل فقدان مجموعة أفعال صغيرة كانت سبباً لسعادتنا. والكتابة في إعتقادي تستطيع تقدير حجم الخسارة للكائن البشري لكنها في لحظة الحرب تبدو عاجزة، كما كل شيء تتحول الكتابة إلى مجرد شاهد لاأحد يريد الإستماع إليه، حتى فكرة الموت نفسها تتحول من إفتراض تأخره يعني وعد بالعيش إلى حقيقة ملموسة، يمكن تلمسها، وفي تعبير أدق يفقد الموت مهابته وهذا يربك الكتابة ويجعل منها فعلاً غير مجدي.

تستطيعوا تخيل المكان والمشهد، يومياً يموت أكثر من مئة شخص، وهؤلاء ليسوا عجائز، قضوا وعاشوا حياتهم كاملة، بل شباب صغار وفتيان وأطفال ولدوا للتو أو منذ سنوات قليلة، ولكم أن تتخيلوا أن هذا يحدث يومياً في سوريا ولمدة خمس سنوات، ولكم أن تتخيلوا أسئلة كاتب مثلي عاش في هذا الخراب العظيم.

كثيراً ماانتابتني لحظات ندم لأنني كاتب، ولم يتركني سؤال ماذا تفعل الكتابة لشخص يحتاج حبة دواء أو قطعة خبز، ببساطة لاتستطيع الكتابة إنقاذ البشر من الموت المحتم، كما لاتستطيع حتى منحه الأمل في هذه اللحظات العصيبة. كثيراً ماشعرت بالعجز، وتمنيت لو أنني أكثر شجاعة أستطيع حمل أرغفة الخبز للجائعين في الغوطة التي لاتبعد عن منزلي سوى كيلومترات قليلة وتتعرض لحصار خانق منذ ثلاث سنوات، لو كنت أكثر شجاعة أستطيع إختراق الحواجز الأمنية وأستطيع إيصال حبة دواء لطفل مات جوعاً للتو فقط لوجوده في هذا المكان المنسي من العالم.

رأيت في السنوات الخمسة الماضية بأم عيني الجوع في العيون، الجنازات مرت من أمامي، والسوريون ماتوا بكل أنواع الموت، ماتوا حرقاً، قصفاً، غرقاً، وجوعاً، ولم يفعل العالم لهم أي شيء، تركوهم لمصيرهم، والكتابة لن تقدم لهم أي شيء في اللحظة الراهنة، ولايعني الموتي أنك ستتحدث عن موتهم فيما بعد، نعم في الحروب تختلف الاولويات، كما تكتسب كل الأشياء معاني جديدة، وأيضاً الكتابة أيضاً تكتسب معنى جديد.

أنا أعرف بأن الكتابة تأتي من اللحظة الباردة وليس من اللحظة الحارة، وبشكل رئيسي الكتابة تعني نصاً جيداً قادراً على البقاء، يستطيع خوض معركته مع التاريخ، وليست مجموعة شعارات محرضة، لكن هذا النص الذي يحتاج اللحظة الباردة يعيد إختبار ذاته مرة تلو مرة في اللحظة الحارة.

أول ايام الثورة كان لدي وهماً بأن الكتاب يستطيعوا الصراخ، والإشارة الى جثث الموتى الأبرياء، ولابد للصرخة الغاضبة من الوصول إلى الضفاف الأخرى حيث يعيش البشر متنعمين بسلامهم الداخلي، ولاينقصهم شيء من أسباب الحياة، كما كنت مقتنعاً بأن الكتابة فعل مؤثر لابد سيترك أثاره على أرواح المتلقين، لكن كل لحظات العجز أحالتني مرة أخرى إلى بكل البديهيات التي لم أتوقف عن الشك فيها، قبل الثورة وبعدها، وهذا أعظم مامنحتني إياه الكتابة وماتبقى معي حتى هذه اللحظات. لكن هذا الشك في الحروب والثورات يتنحى جانباً، ليفسح المجال للحقيقة الواضحة التي لاتحتاج إلى شروحات فائضة. في أعماقي ولدت أسئلة جديدة، قد تكون أسئلة ساذجة لكن لابد من طرحها، هل تحتاج جثث الضحايا إلى شروحات فائضة، أعتقد لايحتاج الموتى إلا إلى الصمت في وداعهم الأخير.

قد تبدو هذه الفقرات متشائمة، لكنها حقيقة، يجب عدم نسيانها ونحن نمجد الكتابة والكتاب، ولاأحتاج أي أحد كي يشرح لي عن أهمية الكتابة في الإضاءة على الحقيقة، وفضح الطغاة، لقد إختبرت ذلك في نصوصي، ولم أكن يوماً صامتاً، لكن شعوري بالعجز يجعلني أكثر هشاشة، وأعرف بأنه بعد سنوات بعيدة ستكون لكتابتنا أهمية مضاعفة، ستكون سجلا للحقيقة، انتصاراً لدم الضحايا، ولاقيمة لأية كتابة لاتنتصر للضحايا، ولاتؤرق القاتل، وهذه الكتابة التي تولد اليوم ستفعل ذلك.

سأحتفظ لنفسي بالكثير من لحظات الندم، واليأس ونوبات الغضب التي انتابتني، لكنني لن أنسى بأن عدم خيانة دم الضحايا هو فعل نبيل يجب إحترامه، سأبقى عاجزاً عن شرح الالتباس الذي حولني إلى كائن مشرد لديه كل أسباب شتم العالم، وأعتقدت في لحظات بأن الموت هو الحل الوحيد لنهاية عذابات ليالي الأرق الطويلة التي كنت أعيشها، في تلك اللحظة فقدت حتى إيماني بالكتابة، لكن فيما بعد عاد إلي ذلك الضوء الرائع الذي غمرني منذ سنوات بعيدة ومازال، وأقصد ضوء الكتابة وسحرها، وشعرت لأول مرة في حياتي بأن الكتابة هي التي انقذتني من موت محتم كان يحوم حولي طوال السنوات الخمس، منحتني تلك العاطفة الضرورية لاستمرار المقاومة والعيش، نعم قد لاتساعد الكتابة طفلاً على حافة الضوء لكنها ترعب قاتله، بأن حق الضحايا لن يموت، وستصبح العدالة هاجس الكتابة الأول والأخير كما كانت عبر العصور، وكما ترون بأن الكتابة منذ الأزل كانت وستبقى تؤدي الوظيفة نفسها، الإنتصار للإنسان في أشد لحظاته حلكة وظلمة وبؤساً.

خالد خليفة